مرويات من النافذة الخلفية لأيام الوجع السوري
سلموني رشاشا ياامي وقالو :اضرب ياوحش وانا لااعرف بعد كيف اصير وحشا.ثقيلا كان هذا الرشاش على كتفي ياامي ,كيف لي ان احمله..
إذا كانت “غورنيكا” هي لوحة واحدة، استوحاها الفنّان التشكيلي العالمي بابلو بيكاسّو من قصف مدينة “غورنيكا” في إقليم الباسك في 26 نيسان/أبريل 1937، بطائرات حربيّة ألمانيّة وإيطاليّة، مساندة لقوّات القومييّن الإسبان، لترويع أهلها في الحرب الأهليّة الإسبانيّة، فإنّ تسمية كتاب الروائيّة السوريّة نجاة عبد الصمد ب”غورنيكات سوريّة” جاء موفّقاً؛ كون الكتاب يضم في داخله /47/ لوحة تختلف في حجمها وألوانها وطعمها وقدرتها على شرح المآسي الكبرى التي عصفت، وتعصف، بشعب بلدها.
منها ما يليق بأنّ يكون فعلاً لوحة جداريّة كبيرة، حملت أيضاً اسم “غورنيكا سوريّة”، ومنها ما يمكن أن يُشكّل لوحة صغيرة عبارة عن مونولوج، أو مونولوجات، كلوحة “ثقيلاً كان هذا الرشّاش على كتفي يا أمّي”، أو “شتلات الحبق” على سبيل المثال. وبقدر ما اختلفت تلك اللوحات في حجمها، فإنّها اختلفت بالآلام التي تحويها، وسبب تلك الآلام والمصائر التي آلت إليها، الشخصيّات البريئة التي تكبّدتها؛ سواء في موتها، ببراميل متفجّرة أو تحت التعذيب أو لإيواء الثوّار أو كجنود في الحرب، أو في متابعة حياتها الميّتة من دون من يُعطى لتلك الحياة الخفيفة معانيها الخفيفة.
تبدو كتابة عبد الصمد هنا وكأنّها شفهيّة، أو صوتيّة، لكثرة ما تنقله من سرد لا يخصّها ككاتبة في كثير من الأحيان؛ إذ هي تسرد، لأكثر من مئة صفحة، نتفاً من سِير أناس فقدوا بيوتهم وإخوتهم وأزواجهم وأطفالهم… وأمكنتهم الصغيرة. وحتى لو كانت تلك البيوت التي هجروها صغيرة، فهي تظلّ قصوراً في نظرهم. ومهما كانت حياتهم فارغة، طوال عقود الديكتاتوريّة، فهم يمدحونها، مستدرجين ذكريات جفّت، وحيوات تبدو كبيرة على مقاس حيواتهم المرتجلة فيى النزوح.
تحكي النصوص عن ندم البدو حين بنوا البيوت، بنصيحة مسمومة من الحكومة، وأرسلوا أطفالهم خلف العلم، بدل المواشي، إذ فقدوا بيوتهم التي كانوا يطوونها بسهولة ويرحلون، فنزحوا، في قصف “حماة الديار” لهم مرّات ومرّات. وفي كلّ نزوح كانوا ينقصون كعائلة، ويزيدون كحكايات؛ إذ صارت لديهم حكايات “جديدة” ومؤلمة في النزوح والفقد والحرمان.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.