في النصف الثاني من القرن التاسع عشر رحل عن هذا العالم كاتب كبير مازال حيا بين ظهرانينا بروائعه الأدبية التي تأسر القارئ ، وترتحل به نحو عوالم أخرى يحفها الصدق الإنساني، والتصوير الفني البليغ.
فقبل تسعة أيام فقط من وفاته “أهدى” لألسنة النار الملتهبة مسودة الجزء الثاني من روايته الشهيرة “النفوس الميتة” بعد إحساس عميق بخبث الواقع ومكره المقنع .
ولد نيقولاي غوغول سنة 1809 من أسرة متواضعة عاصرت عهد الإقطاع القيصري الذي كان يعصف بروسيا وقتئذ، وكان والده مولعا بالمسرح والأدب ولذلك أراد أن يربي ابنه على هذا العشق الذي يستمد عنفوانه من “الإحساس العالي بمسؤولية الحرف وعذابه .
لقد استأثرت رواية النفوس الميتة باهتمام فطاحلة الأدب الروسي فقد اعتبرها الناقد فاتسيريون بيلنسكي خطوة عظيمة, يبدو معها كل ما كتبه غوغول ضعيفا وشاحبا ذلك أنها ومسرحية المفتش يمكن اعتبارهما التجسيد الأكثر عمقا وجمالا ورصانة لإبداع هذا الفنان العظيم. وهذه الروعة والجمالية الأخاذة التي صور بها غوغول بؤس الواقع الروسي وتناقضاته الصارخة جعلت ديستويفسكي يقول “كلنا خرجنا من معطف غوغول” فهذه الرواية أو “القصيدة النثرية” كما يصفها البعض تتطرق لقضية غريبة حيث يقوم بطل الرواية “تشيتشكوف” بشراء النفوس الميتة(2) أثناء تحصيله للضرائب في ظل غيمة الإقطاع الحالكة التي كانت تلبد سماء روسيا القيصرية, وإن كانت هذه العملية في واقع الأمر إلا نافذة يجعلنا المبدع غوغول نطل من خلالها على هول الفساد الذي استشرى قويا في جميع ربوع البلاد.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.